كلما فٓرٓغٓتْ كأسي ذاك المساء، ومعها رأسي، بادرتْ لملإهما، كما تملأ غجرية جِرار الماء من نهرٍ زُلال، فيترقرق مشروب الفودكا من بين كفِّها، كشلّال يُعبِّأ الكأس الخاوية وجمجمتي، فتمنحهما لحناً كما الشجن، وُتلبسهما عمامةً من زٓبٓد.
كانت سقايتها حينذاك، تُزهر القلب، تُٓموْسِقُ العقل، ٍوتحيي ذاك الجزء المتصلّب من الرّوح الذي يقبع داخل الجسد المتأسِّن الذي كانت تتوسده، وبين الفينة والأخرى، تقفز من متكئها بجانبي، لتهز جسدها.
كانت تلتوي حيناً كأفعى جائعة تترصد فريستها، وبخفة فراشة، تغازل مصابيح المرقص المتلألأة حينا آخر، وترسم بخصرها دوائر لامتناهية على إيقاع موسيقي صاخبة، حدث كل هذا دون أن تفارق سبابتها ووسطاها سيجارتها الشقراء، التي كانت تعتقلها بينهما، وتمتصها بنهم من وقت لآخر، حينها كنت أنا متّخذاً من طاولتنا مستقّر، أتأمّلها منها، فتبدو لي كرغبة متحركة، أو كثيمة إيروسية، أحفر في تفاصيلها الهائجة، وأمخر عبابها لأول مرة.
كانت فعلا تشبه غجرية بشعاع وردي يكاد يغادر وجنتيها، في عينيها سبيل طويل لاحدود له، نهداها كانا نافرين، بحبتي كرز تعلوهما، وفجّ عميق بينهما أدفئ من وطن.
أسكر، وأرقب إلتواءاتها المسترسلة، تطلبني لمشاركتها الرقص، فأنتصب مترنحا، أشطح حتى أبدو كديك ذبيح، أو كمن يدكّ جلدا في دار دباغة.
حينها صار كل ما يدور في فلكها خمرا، صوتها الذي يشبه السيمفونية الرابعة عشرة لموزارت، خطواتها، دقّات كعبها على الأرض، إسمي التي كانت تنطق به، وصارت كل كلمة تتفوه بها سقطة في قعرها.
توالت السقطات، حتى إنكسرت كل الأنخاب داخل رأسينا، والتفّت اللِّسان بالِّلسان، وإحترقنا قبلاً، ثم واصلنا الرقص، كما واصلنا السُكر، والحلم بالسرير.