جُلّ لقاءاتنا كانت حثيثة، كنّا نمسك بمساءاتها، كمن يُمسك قطعة جمر متأجّجة، ويومذاك، عند اللقاء الأخير، لم نبلغ كما سبق من الأيام، ليلةً أو بعض ليلة.
كنّا كالعابرون أنتِ وأنا، وثالثنا بِلالُنا المؤذِّن للهوى، الذي كان يتضرّع لنا عند كل رشفة نبيذ، ويُنادينا أن نمنح الله قُبلة.
كالكِرام مَرَرْنا ليلتذاك، لم نترك في أمكنتنا ذكرى توجعنا، لم ندع مجالاً للطّاولة إيّاها في حانة تِيطان أن ترسم ملامحنا، ولا لنادل ألزاس لورين وعاهراته الثلاث أن يُدركوا بشاعتنا، لم ننشأ للمُقام إلهاً، كنّا فقط عابريْن، كنّا كمنتحريْن يتبادلان قُبلات مُهرولة، قبل النّط فوق السرير الخشبي الذي وشى بنا أزيزه.
وقبل أن يَتَنَبَّه الموتى، كنّا قد قضمنا التّفاحة مرّتين، والتفَّت السّاق بالسّاق، واقتسمنا الأمل والألم معاً، ثمّ مررنا سريعاً، موقِّعين مرّة أُخرى ِبقلم العبور، عريضة الغياب.