ذات الجيد الفارع
كانت تشبه في جلستها أميرة قادمة من الحضارة السومرية ، أو إمرأة فارّة من لوحة لرسام واقعي ، كانت بعمر ينوف على السبعة عشر ربيعا ، عيناها زرقاوان كسماء صافية ، ووجنتيها تشبهان في حمرتهما لون حّبات الرمّان ، أنفها المنقوش بيدي الله نفسه ، يكاد يشبه منقار الباشق ، كانت تتوشح في عنقها سلكا نحاسيا أصفراً مثقاله كمثقال ذاك الحزن الذي يسكن مقلتيها ، على صدرها كانت تتدلى قلادة بفيروز مزيف ، ونهَديْها اللذان لم يبزغا بعد ، كانا يبدوان كثمرتي مشمش سقطتا للتو من أمّهما الشّجرة . رغم صقاعة الفضاء وقتذاك ، كانت ترتدي بزّة وردية بنصف كُمّ ، على ذراعها الأيسر ، وشم لرأس المعلم بوذا ، وحروف مشتّتة لم أعي فحواها . لاشيء يشي ببؤسها حينذاك ، سوى قدميها الموحلتان اللتان كانتا ماتزالا تحملان آثار السبيل ، وظهر مقوّس قصمته قشّة البُعد . بسرعة آلة ، كانت تُحرِّك يديْها بشكل دائري على منساج خشبي بُغية نسج خيباتها بخيوط ملوّنة ، وتدندن بين فينة وفينة ، لحناً بورميا حزيناً ، تصحبه بعَبَرات ، تهطل مدراراً على نسيجها ، فيأخذ لون الرماد .
وأنا بصدد إعتقال كل هذه الحكاية داخل صورة ، تصنّعت وإيّاها إبتسامتين باردتين تحويان حسرتان متجمّدتين ، تحدثنا من خلالهما عن كل شيء ، وعن اللاشيء ، وحدها طرطقة آلة التصوير التي كانت تتدلى على عنقي كقلادة ، جعلت لحوارنا الأبهم نهاية ، لملم كلّ منّا إبتسامته المزيّفة ، دسست يمناي داخل جيبي ، مددتها بأربعون باتا ، شكرت بحركة من رأسها ، وغادرتُ معتقلاً إيّاها وحزنها داخل صورة.