على كرسي خشبي عرَّاه الزمن بزاوية مظلمة في الحانة القديمة، أضع مؤخرتي المتكردسة، وبجانبها سِفر مابعد الظلام، لهاروكي موكارامي، أسعى جاهداً التآخى وغربتي والليل، وكأس النبيذ في فضاء يعبق برائحة البارح، بجدران تعود إلى زمن سالف تإن وتسعل بيانسيم الدجى اللطيف لفيروز، وطاولة عرجاء، كأنها إحتضنت العشاء الأخير للتلاميذ رفقة مسيحهم قبل صلبه.
عاهرة بنصف فاه أشبه بمومياء قديمة تُدَوَّر حزنها بداخلها، ثم تنفثه رفقة دخان سيجارة زهيدة، تتخذ من مكان غير بعيد متكأ لها، تبتسم في وجهي وتصر إبنة الزانية، أن تنزعني مني، ترفع كأسها الفائض صوبي، فأرفع رأسي لها دون كأسي، مانحاً إياها شيئا أشبه بإبتسامة متشنجة، لأعود بعدها إلى خلوتي وإستنطاق المكان عن كائناته السائرة على أرضه الخرساء، تلك الذائبة تحت حرارة ضنكه، عن العاهرة النصف ميتة وراء قطعة خشب باردة تفصلها وزباءنها، عن الصبية ذات الرداء البنفسجي المفخخة بأحلام قديمة تهرول خلف الأموات وتستجديهم إقتناء وردة ، عن نافذة مشرعة، يظهر من خلالها بناء شاهق يقابل الحانة خط عليه ببنط عريض، لنتخيل الأنهار تحترق في البعيد، نسمع الصمت، وفجأة، تأتي الموسيقى نحونا كي تقتلنا، ليعود الرقص أقوى تحت الشمس البيضاء.
أستنطق المكان عن الموت الذي يرتدي آخر قمصانه، وعن،وعن، وعن وعن، وتحت الهطول المدرار للعنعنات، يدك نادل بائس خلوتي مرة أخرى بالسؤال عن طلبي، فأجيبه ماأشبه طوكيو موكارامي بهذا المكان، ثم غادرت الحانة تحت همهماته التي عجزت عن فك طلاسيمها.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire