15 octobre, 2008

وتتوالى الجذبات

هناك من وراء ذلك الأفق الأزرق في زمان ومكان ما كنت أنا ذات صباح ذات مساء أو ذات ليلة حيث صوري القديمة بلونيها الأبيض والأسود أحذيتي المتهالكة وأمي الّلتي تركتها على حافة زمن قسى وإخوة يصارعون وطنا ترعرع الرعب فيه وانتشى وأب يأبى إلا أن يشارك الزمن والوطن قسوتهما عليهم
هناك كنت أنا ذات صبا أردد أنشودتا الوطن والمطر ببطن فارغة تكاد تصرخ من الجوع وحذاء متهالك يأبى أن يحمي رجلاي من شدة القر
هناك كنت أنا ذات ظهيرة أحضن أخي الكفيف بين ذراعي لآخر مرة وسكرات الموت الّلعينة تنال من جسده الهزيل المنهك حينها بكيت ويقنت أننا نعيش لنموت
هناك ضاجعت أول إمرأة في تاريخي فوق سطح بيتنا القديم تحت ضوء القمر وبين حبال الغسيل
هناك كنت أنا ذات ليلة على طاولة المجون مجرد ضحية لعاهرتي المفضلة أتبادل وإياها الّلمسات و القبل ويمتص كل منّا لذته من الآخر فوق سرير عهدته كلما سقطت أسيراً لنزوتي الحيوانية
هناك كنت أنا ذات فجر حاملاً حقيبتي السوداء جواز سفري الأخضر وعملة أجنبية أوزع قبلات الوداع على إخوتي الستة محاولاً كبح دموعي داخل مقلتاي قبل أن تخونني اللّعينة حينها يقنت أن هناك وداع من نوع آخر غير وداع الموت
هناك كنت أنا جزء من العبث كخربشة على جدار أو نقش طفولي أو ربما لوحة سريالية لرسام عصامي
هناك كانت مدينتي الجميلة برائحة العرعار ونوارسها الفاقعة البياض وأناسها الطيبون
هناك ربما سأعود يوما
هناك حتما سأعود

10 avril, 2008

الّلقاء الأخير


في باحة المطار،وذات صباح خريفي، حقائب سوداء ودموع، أياد تلوح مودّعة وأخرى تحتضن مرحبّة، تمتزج المشاهد وتتكلم لغة القبلات والعناق، هو الآخر يضم والدته لايتذكر آخر مرة فعل ذلك، ينتقل إلى والده متأكداً أنّ جسديهما يلتقيان للمّرة الأولى فتلتصق رائحة جسديهما بأنفه، تراءت له دمعات والدته ومخاطها الّلتي تحاول مسحهما بقطعة قماش قديمة عبارة عن أطلال جلباب ،تمنى لو كانت هي الأخرى هنا لتودعه باكية وليلقي النظرة الأخيرة على جسدها الّلذي كان سبباً في حبه لها

تذكر شريط حياته معها لقائهما الأول جلساتهما بمقهى الكوبا كابانا وسهراتهما الماجنة تذكر ساديتها وصياحها عند لحظة الأورجازم لم ينس ذلك اليوم اللّذي زفّ لها خبر زواجه وسفره إلى برّا بكت حينها ورمت بالشاورما الّلتي كانت بيدها بينما يلوك هو قطع الّلحم مردداً في نفسه فلتذهبي أيتها القحبة إلى الجحيم فكان يومها آخر لقاء بينهما

يقترب موعد الطائرة وتسترسل الوالدة بالدعوات والنصائح يتفقد جواز سفره وتذكرة الطائرة وبعض الأوروهات الّلتي بدلها بالأمس عوض الدراهم الّلعينة، يودع الجميع فتخونه بعض الدمعات لتسقط باردة على خديه، يخترق بوابة تلو الأخرى مبتعداً عن والدته، لم يعد يرى سوى عكازها الّلتي كانت تلوح له به مودعة إياه، كانت المرة الأولى الّلتي يتسلق فيها الطائرة مزيج من الخوف والفرح تصحبهما لوعة فراق أهله وشوق لقاء زوجته وبين هذا وذاك زمن ثلاث ساعات سيخترق فيها بوابة الزمن إلى عالم آخر وحياة أجمل٠

28 février, 2008

نساء الثامن مارسيات


يوم الثامن من مارس صادف حصة غسيل كلى لدي..كان ذلك يوم الاربعاء المنصرم..كل شيء كان من الممكن ان يمر هادئا و عاديا لولا دخول بعض “النسوة” الى غرفة - الديالز - متمنيات لنا عيدا سعيدا…كانت الدهشة تعلو ملامح المرضى متسائلين عن المناسبة امرأة عجوز قالت و هي ممدة على فراشها : عاشورة فاتت..واش عيد الميلود قرب؟ … همست لها محاولة كتم ضحكتي : لايااميمتي هذا اليوم العالمي للمرأة.. حكت راسها كانها تفكر في امر مهم، شعيرات حمراء متفرقة تحاول اخفاءها بمنديل ذو الوان فاقعة راسها يبدو كبصلة صغيرة: آش كيديرو فيه؟ قديدة؟ ضحكت هذه المرة بصوت مرتفع: لا هم يتكلمون فقط في هذا اليوم. لوت شفتيها و قالت الله يستر

كن حوالي عشرين امرأة يلبسن ملابس انيقة من الفرو و يضعن عطورا فاخرة ..و مساحيق كثيرة يوزعن ابتسامات مزيفة بسخاء..يطرحن اسئلة بليدة اجبت عنها اجوبة بليدة، اخذن صورا مع بعض المرضى وهن مبتسمات…نساء فارغات مفلسات عاطفيا يحاولن تزجية الوقت بشيء ما فلم يجدن سوى المستشفى. و عندما انتهين غادرن و هن مبتسمات ايضا. حاولت ان افهم لماذا يبتسمن بغباء واضح فلم افهم..بالتأكيد سيذهبن بعد ذلك لمطعم فخم احتفاء“بانجازهن العظيم” كنت اتمنى لو هؤلاء “النسوة”سألن الاطفال ليعرفن انهم بلا طفولة فعلا. أطفال لديهم لغةخاصة بهم، لا يدخل ضمنها لعب وكرة وسفر و مدرسة ومحفظة و رياضة…اطفال بقامات قصيرة و اجساد نحيلة صفراء لايكبرون أبدا، اطفال اقصى امانيهم لعب الكرة و الجري مثل اقرانهم، اطفال يعانون هشاشة العظام ، وفقر دم و ارتفاع في الضغط و هلم امراض. لايخرجون من مشكل صحي حتى يدخلوا اخر… اطفال لا يذهبون الى المدرسة لأنهم ساعات الدرس يكونون بالمشفى ثلاث مرات اسبوعيا لتصفية الدم.كنت اتمنى لو هؤلاء النسوة” الثامن مارسيات لو سألن شابات ليعرفن انهن لم يعدن يحلمن ببيت وزوج واولاد، ويحلمن فقط بكلية لا يتعدى حجمها ثماني سنتمترات”. كنت اتمنى لو هؤلاء “النسوة” المترفات ذهبن لمراكز غسيل الكلى الخاصة ليعرفن الوجه الحقيقي للمعاناة: اناس باعوا ممتلكاتهم و منازلهم واثاث بيوتهم، و غادروا عملهم كراهية بعد الطرد من مسؤولين لا يتفهمون هذه الاوضاع الخاصة و أصبحوا بين عشية وضحاها “على “الضس”، ، ومنهم من يستجدي في الشارع، اجل” ي…س…ت…ج…د…ي” لتوفير ثمن حصة غسيل الكلى التي تكلف في المتوسط 800درهم للحصة الواحدة ، فالمريض رغم حالته الصحية المزرية عليه ان يجرجر جسده ليطرق كل الأبواب المتاحة و غير المتاحة. هناك من يساعد ببعض الدراهم وهناك من يقفل الابواب امتعاضا كانه ينظر لطعام حامض. يحدث هذا في في غياب تام للدو لة تتركنا التي نواجه مصيرنا لوحدنا و المسؤولين و ينظرون الينا بافواه مفتوحة ببلاهة وبلادة يقولون كلاما ضخما و كثيرا من الوعود التي لم تنفذ ولن تنفذ.وانا أنظر اليهن احسست بتفاهتهن و سطحيتهن ، احسست ببون شاسع بين احلامنا و احلامهن بين هممومنا وهمومهن بين بؤسنا و ترفهن بين وبين وبين.. هل تعرفن ماذا اخذ منا المرض وماذا علمنا ؟

المرض اخذ اعمارنا سرق شبابنا وطفولتنا وعلمنا ان حتى العلاج في هذا البلد ترف غير مسموح به للجميع. قبل ان انسى : انتن نساء ثمانية مارس اقصد بعضكن مفلسات عاطفيا ومزيفات. لم اكن ارغب في الحديث عن هذا المرض او المشفى لانني مللت هذا لكن هؤلاء النسوة قمن باستفزازي


المرحومة مليكة مستظرف

حق الصورة محفوظ للكناوي
أخذتها حين زيارتي لقبري المرحومتين زوجة أخي ومليكة مستظرف بمقبرة الرحمة
بالبيضاء

30 janvier, 2008

الّلقاء الأول

شاهدتها أول مرة ذات مساء تخرج من صالون الحلاقة المقابل للخمارة بلباسها الأبيض الأنيق،كانت تشبه فراشة خرجت للتّو من شرنقتها،لاأدري ذلك الإحساس الّلذي تملّكني لحظتها،هل هو الحب من أول نظرة كما في القصص العاطفية؟ أم هي مجرد نزوة عابرة ستزول بمجرد أفول ذلك البدر الّلذي كان يعلو السماء ليلتها؟
تلتهم عيناي جسدها الفتّان مخترقة الزقاق الطويل الضيق،أخالها كقدّيسة تطلق جناحيها لبلوغ السماء،أو كحمامة بيضاء تمضي إلى عشها مع نهاية المساء.
ألج الخمارة،أجساد برؤوس مطأطأة من شدة الثمالة وقناني البيّرة الرخيصة تضفي شكلاً رائعا فوق طاولات مهترئة،أصوات يصعب عليك تمييزها يعلوها صوت آخر لمغني رديء تتراقص معه الأجساد هنا وهناك .
لاشيء يثنيني عن التفكير والتفكر في جسدها الرائع أحس معه بإنتصاب شيئي الّلعين.
آخذ ركني المعتاد في الحانة عند فتيحة، هي الأخرى كنت قد قضيت وإياها ليلتين أذكر أنها كانت باردة كجبل صقيع في دولة إسكندنافية، أطلب منها إحضار بيرة وأشترط أن تكون باردة كليلتها لعلّها تطفئ ناري المتأججة، تحضرها وتمدني بسيجارة( لوكا) الرخيصة نوعها المفضل،أتجاذب وإياها أطراف الحديث لاعناً إياها في نفسي وليلتاها الباردتين،أطلب بيرة تلو الأخرى يبدأ رأسي بالتثاقل ثرثرتي تزداد،صوتي يرتفع،أحسني بلغت مستوى من كنت ألعنهم من السكارى عند ولوجي الحانة،متانتي تمتلئ،أفرغها من حين إلى آخر موزعاً إبتساماتي الصفراء على رواد الحانة كلما هممت بالذهاب للتبول،أبحث في جيبي عن بعض البقشيش أمده لإمرأة بئيسة تجلس في ركن قرب المرحاض،توزع هي الأخرى إبتسامات مزيفة طمعاً في درهم يتيم لسد أفواه يتيمة، أكتشف معها أن الكل يوزع كل شيء طمعاً في شيء.
أعود إلى مكاني بخطى متثاقلة وسحابة دخان تحجب عني رؤية الآخرين،تكاد تخنقني،شيء غريب يتراءى أمامي كحلم أفرك عيناي،أحرك رأسي ومعه جسدي ككلب خرج للتّو من بركة ماء أو كديك مهزوم في معركة للديكة،أكاد أصاب بالجنون كلما دنوت من مكاني،إنها هي بعينها القدّيسة،الملاك، ترى مااللّذي جاء بها إلى هنا؟ أسأل نفسي هل هو القدر أم الصدفة؟ طبعاً لا مكان للقدر هنا تجيبني.
عيون السكارى تلتهمها وبوصلة بعضهم تغيرت في إتجاهها،أقترب نحوها ودقات قلبي تتسارع حتى يكاد يبرح مكانه،ألقي التحية فترد بالمثل،أعرف أن الجميع يلعنني لدنوي منها أطلب بيرّتان،فأخرتان وثالثتان،محاولاً تكسير الرسميات هي الخمرة وحدها من تستطيع ذلك.
أضحت الفراشة نديمتي وكلي ريب من أن حلمي قد تحقق،ثملنا،حرقنا المراحل، خطفنا القبلات، تهت بيدي في جسدها الناصع كبياض الثلج،أَبَيتُ وَفَراشَتي إلاّ وأن نُتم ليلتنا في سرير يوحد جسدينا ليمتص كل منّا لذته من الآخر