30 janvier, 2008

الّلقاء الأول

شاهدتها أول مرة ذات مساء تخرج من صالون الحلاقة المقابل للخمارة بلباسها الأبيض الأنيق،كانت تشبه فراشة خرجت للتّو من شرنقتها،لاأدري ذلك الإحساس الّلذي تملّكني لحظتها،هل هو الحب من أول نظرة كما في القصص العاطفية؟ أم هي مجرد نزوة عابرة ستزول بمجرد أفول ذلك البدر الّلذي كان يعلو السماء ليلتها؟
تلتهم عيناي جسدها الفتّان مخترقة الزقاق الطويل الضيق،أخالها كقدّيسة تطلق جناحيها لبلوغ السماء،أو كحمامة بيضاء تمضي إلى عشها مع نهاية المساء.
ألج الخمارة،أجساد برؤوس مطأطأة من شدة الثمالة وقناني البيّرة الرخيصة تضفي شكلاً رائعا فوق طاولات مهترئة،أصوات يصعب عليك تمييزها يعلوها صوت آخر لمغني رديء تتراقص معه الأجساد هنا وهناك .
لاشيء يثنيني عن التفكير والتفكر في جسدها الرائع أحس معه بإنتصاب شيئي الّلعين.
آخذ ركني المعتاد في الحانة عند فتيحة، هي الأخرى كنت قد قضيت وإياها ليلتين أذكر أنها كانت باردة كجبل صقيع في دولة إسكندنافية، أطلب منها إحضار بيرة وأشترط أن تكون باردة كليلتها لعلّها تطفئ ناري المتأججة، تحضرها وتمدني بسيجارة( لوكا) الرخيصة نوعها المفضل،أتجاذب وإياها أطراف الحديث لاعناً إياها في نفسي وليلتاها الباردتين،أطلب بيرة تلو الأخرى يبدأ رأسي بالتثاقل ثرثرتي تزداد،صوتي يرتفع،أحسني بلغت مستوى من كنت ألعنهم من السكارى عند ولوجي الحانة،متانتي تمتلئ،أفرغها من حين إلى آخر موزعاً إبتساماتي الصفراء على رواد الحانة كلما هممت بالذهاب للتبول،أبحث في جيبي عن بعض البقشيش أمده لإمرأة بئيسة تجلس في ركن قرب المرحاض،توزع هي الأخرى إبتسامات مزيفة طمعاً في درهم يتيم لسد أفواه يتيمة، أكتشف معها أن الكل يوزع كل شيء طمعاً في شيء.
أعود إلى مكاني بخطى متثاقلة وسحابة دخان تحجب عني رؤية الآخرين،تكاد تخنقني،شيء غريب يتراءى أمامي كحلم أفرك عيناي،أحرك رأسي ومعه جسدي ككلب خرج للتّو من بركة ماء أو كديك مهزوم في معركة للديكة،أكاد أصاب بالجنون كلما دنوت من مكاني،إنها هي بعينها القدّيسة،الملاك، ترى مااللّذي جاء بها إلى هنا؟ أسأل نفسي هل هو القدر أم الصدفة؟ طبعاً لا مكان للقدر هنا تجيبني.
عيون السكارى تلتهمها وبوصلة بعضهم تغيرت في إتجاهها،أقترب نحوها ودقات قلبي تتسارع حتى يكاد يبرح مكانه،ألقي التحية فترد بالمثل،أعرف أن الجميع يلعنني لدنوي منها أطلب بيرّتان،فأخرتان وثالثتان،محاولاً تكسير الرسميات هي الخمرة وحدها من تستطيع ذلك.
أضحت الفراشة نديمتي وكلي ريب من أن حلمي قد تحقق،ثملنا،حرقنا المراحل، خطفنا القبلات، تهت بيدي في جسدها الناصع كبياض الثلج،أَبَيتُ وَفَراشَتي إلاّ وأن نُتم ليلتنا في سرير يوحد جسدينا ليمتص كل منّا لذته من الآخر