01 décembre, 2015

ليلة السقوط

كلما فٓرٓغٓتْ كأسي ذاك المساء، ومعها رأسي، بادرتْ لملإهما، كما تملأ غجرية جِرار الماء من نهرٍ زُلال، فيترقرق مشروب الفودكا من بين كفِّها، كشلّال  يُعبِّأ الكأس الخاوية وجمجمتي، فتمنحهما لحناً كما الشجن، وُتلبسهما عمامةً من زٓبٓد.
كانت سقايتها حينذاك، تُزهر القلب، تُٓموْسِقُ العقل، ٍوتحيي ذاك الجزء المتصلّب من الرّوح الذي يقبع داخل الجسد المتأسِّن الذي كانت تتوسده، وبين الفينة والأخرى، تقفز من متكئها بجانبي، لتهز جسدها.
كانت تلتوي حيناً كأفعى جائعة تترصد فريستها، وبخفة فراشة، تغازل مصابيح المرقص المتلألأة حينا آخر، وترسم بخصرها دوائر لامتناهية على إيقاع موسيقي صاخبة، حدث كل هذا دون أن تفارق سبابتها ووسطاها سيجارتها الشقراء، التي كانت تعتقلها بينهما، وتمتصها بنهم من وقت لآخر، حينها كنت أنا متّخذاً من طاولتنا مستقّر، أتأمّلها منها، فتبدو لي كرغبة متحركة، أو كثيمة إيروسية، أحفر في تفاصيلها الهائجة، وأمخر عبابها لأول مرة.
كانت فعلا تشبه غجرية بشعاع وردي يكاد يغادر وجنتيها، في عينيها سبيل طويل لاحدود له، نهداها كانا نافرين، بحبتي كرز تعلوهما، وفجّ عميق بينهما أدفئ من وطن.
أسكر، وأرقب إلتواءاتها المسترسلة، تطلبني لمشاركتها الرقص، فأنتصب مترنحا، أشطح حتى أبدو كديك ذبيح، أو كمن يدكّ جلدا في دار دباغة.
حينها صار كل ما يدور في فلكها خمرا، صوتها الذي يشبه السيمفونية الرابعة عشرة لموزارت، خطواتها، دقّات كعبها على الأرض، إسمي التي كانت تنطق به، وصارت كل كلمة تتفوه بها سقطة في قعرها.
توالت السقطات، حتى إنكسرت كل الأنخاب داخل رأسينا، والتفّت اللِّسان بالِّلسان، وإحترقنا قبلاً، ثم واصلنا الرقص، كما واصلنا السُكر، والحلم بالسرير.

05 novembre, 2015

الدرس الأول

 عندما إستعبرتا عيناك الجميلتان أول مرّة في حضرتي، لم أكُ أعلم أنك تبكين خسارتي في مجامعتك، بكيتِ إخفاقي، ورعشتك التي لم تبلُغيها رفقتي، صِحتِ في وجهي أن يليق بي أن أمدكِ ببضع قروش كأي عاهرة أصادفها على أرصفة المجهول، وأضفتِ، أن لافرق بيني وبين أبناء الزواني، أولئك الأكلة الذين يتداعون على قصعتك كل ليلة. كان ردي حينها بملامح المتوسل، أن اللّهم إنّي عاشق، أذكر أني ردّدتها ثلاث أو مايزيد، غير أنّي ذاك الأمّي الذي يتأتأ ألف باء الجنس، وأنتِ، خريجة حانتيْ أورالي والكوبا كابانا، الحاصلة على مرتبة الشرف بشهادة كل زبناءك الذين ضاجعوك، وزدتُ، أننا ننتمي لزمنين مختلفين، فأنت سيِّدة الأمس التي إخترقت صخرة الخطيئة منذ وجودها، وأنا الساذج، القاضم للتّو نصف التفاحة، وأنّ مركبي في يمِّك فلا تدعيه يغرق. حينها جذبتِني إليكِ بقوّة حصانين عربيين إلى حلبة الشهوة، حتى باتت المسافة التي تفصل بيني وبينك، تقديرها لاشيء، ثم منحتِني جسداً وروحاً، وماهي إلّا بضع دقائق، حتى غرقت الغرفة في تأوهاتنا كما غرِقت في براثنك، ثم فاح عرقنا، كان شيئا يشبه الصّعود إلى السّماء عبر جسر نهديك، لم يكن الطريق طويلا، وعند الإنتهاء، أنارت إبتسامتك الغرفة الدّاكنة، فيقنت أنّك راضية مرضية، يومذاك لُقنت أول درس في الجماع

17 août, 2015

طوكيو موكارامي

على كرسي خشبي عرَّاه الزمن بزاوية مظلمة في الحانة القديمة، أضع مؤخرتي المتكردسة، وبجانبها سِفر مابعد الظلام، لهاروكي موكارامي، أسعى جاهداً التآخى وغربتي والليل، وكأس النبيذ في فضاء يعبق برائحة البارح، بجدران تعود إلى زمن سالف تإن وتسعل بيانسيم الدجى اللطيف لفيروز، وطاولة عرجاء، كأنها إحتضنت العشاء الأخير للتلاميذ رفقة مسيحهم قبل صلبه.
عاهرة بنصف فاه أشبه بمومياء قديمة تُدَوَّر حزنها بداخلها، ثم تنفثه رفقة دخان سيجارة زهيدة، تتخذ من مكان غير بعيد متكأ لها، تبتسم في وجهي وتصر إبنة الزانية، أن تنزعني مني، ترفع كأسها الفائض صوبي، فأرفع رأسي لها دون كأسي، مانحاً إياها شيئا أشبه بإبتسامة متشنجة، لأعود بعدها إلى خلوتي وإستنطاق المكان عن كائناته السائرة على أرضه الخرساء، تلك الذائبة تحت حرارة ضنكه، عن العاهرة النصف ميتة وراء قطعة خشب باردة تفصلها وزباءنها، عن الصبية ذات الرداء البنفسجي المفخخة بأحلام قديمة تهرول خلف الأموات وتستجديهم إقتناء وردة ، عن نافذة مشرعة، يظهر من خلالها بناء شاهق يقابل الحانة خط عليه ببنط عريض، لنتخيل الأنهار تحترق في البعيد، نسمع الصمت، وفجأة، تأتي الموسيقى نحونا كي تقتلنا، ليعود الرقص أقوى تحت الشمس البيضاء.
أستنطق المكان عن الموت الذي يرتدي آخر قمصانه، وعن،وعن، وعن وعن، وتحت الهطول المدرار للعنعنات، يدك نادل بائس خلوتي مرة أخرى  بالسؤال عن طلبي، فأجيبه ماأشبه طوكيو موكارامي بهذا المكان، ثم غادرت الحانة تحت همهماته التي عجزت عن فك طلاسيمها.

20 juillet, 2015

في إنتظار القيامة

قصيّاً عن الفزّاعات، وعن فوضى السّماء، وكلّما أتعبهما الوله، آويا إلى غرفته الضيقة ذات السقف القصديري، تلك التي لاتكبر سوى ببضع سنتمترات عن قوقعة سلحفاة. 
بداخلها يتكردسان كسجيني عشق فرّا من الرّب، وملائكته التي تعسّ الوديعة، يتجردان من ثوب الفضيلة، وورقة التوت التي تحجب سوءاتهما، ليشرعا في مزاولة لعبة البدء،  تلك التي لاتحتاج سوى لزاد وفير من قصائد تعرج نحو قبّة الليل، وبعض القبل التي تشجّ سكونه، يتبادلانها على سرير يشتد أزيزه كلّما تموّجا فوقه، وبين كل رعشة وأخرى، فتحا كوّة زفير، ليريحا رئتيهما، في إنتظار القيامة.

19 juillet, 2015

رحيل

من هنا مر غريب، عند ساعة الفجر الأخيرة، بخطى مترنّحة، وخِلقة تحمل ندبة غائرة، لاأحد شاهده يغادر متسللاً تحت لحف العتمة، سوى كاتب هذه السطور الذي تضرّع إليه لوهلة أن يتمهّل، فَأعرض، ومضى يحمل بيدٍ كيساً من خيش يحوي بضع نبوءات مرتّقة، ومخطافاً شديد العقف بأخرى، لم يَكُ يسير خلفه، سوى بعض الصّادقين بلحى طويلة إعتلاها الشيب، وصبي كفيف تعثره المتاريس، غادروا جميعهم تاركين خلفهم موتاً ينفث دخانه في وجوه المنكسرين، وصوراً صامتة بلونين.

15 juin, 2015

رَبِّ الجُحْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه

ماخور السيدة ديبورا
صار معبداً
والعاهرات اللائي راقصنني ذات مساء قديم
إرتدين لباس الراهبات
آوين إلى المحراب
حنطن بالرماد نهودهن
وصارت ملامحهن باهتة
بوجوه ترهقها قَتَرَة
يدعونني للصلاة
فأركض إلى الوراء
آوي إلى جحر الشيطان
لأقضم التفّاحة
لأعيد حياكة شهواتي
وجغرافيا الخطيئة

31 mai, 2015

أنا تلك المرأة

1
أنا تِلك المرأة
الفارَّة للتَّو من قصيدة مبعثرة
عبر سورِ شوقٍ متصدِّع
ممتطيةً صهوة سُهد شاعر بوهيمي
أتعب نهدي مجازا
وخطَّ على شفتاي
موته الـمُكرَّر
2
أنا تِلك المرأة
التي يَتسلَّل إليها الشاعر ليلاً
يخلع روحه على عتبة نَهْديْها
ِليُرِّتب الحزن على قافيتها
ويرمِّم صمت ذاكرتها المثقوبة

30 mai, 2015

وطن عار

وطني المخصي
تَرَكْتُه في الحانة البارحة
عند القديسة تيريزا
حافٍ
عارٍ
مَصْلوب بجانب وعاء نبيذ رخيص
ومِنفضة سجائر
تحت رداء النُبُوَّة
تَزَمَّل وعاهرة
إستمنيا
خَرَءا
رَقصا على نباح الجِراء
ونداء الفجر
وبما تبقى منهما
راوغا المرايا
ماكَرا الله
وتسللا إلى رحِم المعبد

18 mai, 2015

حورية إيغوشي الطينية

حتى وهي مستلقية كإناء طيني خائرة القوى على المغسل الخشبي إستعدادا للسجي ، كان جسدها الذي غادرته مهجته دون طوع، يصر أن يغريني ببياضه، ربما هي الإغراءة الأخيرة، التي تجلت رغبتي حينها في الإستجابة إليها قبل مواراتها.
ففكرة مضاجعة ذاك الشيء المتحجر، الذي يشبه غشاء لوزة أجوف، تنتابني بشدة، ولعبة النقش على جسد خاوٍ، إلا من طلاء زهري، مازال عالقا بأظافرها، تثير حواسي، وتدفعني إلى مستنقع السادية.
أجثو راكعا صوبها لأقدِّم لنفسي، وأنا أُفرغ أنفاسي حول جيد حورية طين باردة، مفرطة في اللذة، وأرجو رعشة صامتة، باغتتني بهمس، أن أكف عن خبلي الأخرق، هذا الذي يمارسه الأحياء.

09 mai, 2015

شوق

كدرويش
بُعث من مستنقع المعنى
أترنح بقدمين حافيتين
ورداء يعلوه غبار الموت
أتضور شوقا
للدالية القديمة
للعشق الآتي من تعب المسافات
لحدائق النبيذ التي تسقيها إمرأة
لاتشبه النساء
للأرواح المبعثرة
لكل شيء
و للاشيء
كدونكيخوت
أشهر أمنياتي
في وجه السراب
أعاكس ريح الفقد
وأبحث في عيون المارة
وباعة الأحلام الرخيصة
عن قصيدة 
وعمر جديد

لاتسألي

ليس ذنبي أن أتساقط منكِ كورقة خريف هشّة
ليس ذنبي أن أهوى كغصنٍ يابسٍ مرّ به زفير طائر عليل
فأمِّي الشَّجرة ماكانت في الأرضِ لعروشها ضاربة
وأناملك التي زرعتني في عتمة اللّيل على ضفة وادي العبث
أثمرت هذا الرجل الواهن
ماأنا ياسيدتي سوى منتهى مداهنتك
عبثك
لامبالاتك
وخطاياك
فلا تبحثي عن عطر في زهرة تاهت بين الذبول 
ولا تستفسري التراب
ياامرأة التراب
فحرياً بك
ياسيدتي
أن لاتسألي عن أشياء
إن تبدى لك
تسُؤك

جرح على عتبة الجحيم

أيا أيّها التّافهون
إحفروا لحدي هناك
عند بقعة الأمل الأخيرة
وزخرفوا على شاهده حروف إسمي القَلِقَة
هُبُّوا 
فكل شيء أضحى مجهزاً للرَّحيل
جرحي المصلوب على عتبة الجحيم
حلمي الذي لم يُدرك 
المساء الأخير المحشو بقبلات الموت
وأنا الفارّ من قصيدة شاعر رديء
أعياها المجاز

أوطان برائحة الموت

الدماء الجارية كنهر
ماعادت تقض مضجع الآلهة
والنيران التي تلتهم الأحلام
أضحت نبراس سماءها المعتمة
الصلاة
أحجمت الصعود إلى السماء والأدعية
وصارت المعابد قفارا
لاتغريد فوقها لطائر الحسّون  
لارياحين في السبيل إليها 
ولابذرة حُبٍّ تُلقى في تربة الأرواح
لم تبقى غير تنهيدات أخيرة
لرجال يلعقون الجراح
وينسجون الأكفان
وجثت تَُوَقِّع تصاريح دفنها على أوراق الخريف
لم تبقى سوى عبرات باردة
وآهات
كأغنيات مصلوبة
وبضع شعراء
ماعاد لهم من غاوون 
وأولاد قحبة
يشيدون أوطانا خريفية
برائحة الموت