الغانية إيّاها، في حانة الطّاحونة الحمراء، بعينيها الباكيتين، كانت على شفا إنتصاب مني، على شفا سؤال كيف السبيل إلى التقام رأس نهدها الأشبه بكرز الفردوس الأعلى، وامتطاء صهوتها الباذخة.
بعزف موزارتي إخترق السرعة التي أخذتُ بها شهيقاً من سيجارتي الرخيصة، وبحجم الـمُجّة المتبقِّية في حضيض قنينة النبيذ، ردّت: أولست ذاك الذي زرع قفار الغانيات البائسات؟ ألست من أنار ظلمتهن في الليالي الدهماء؟
بلى قُلت، فأدرك سمعي سيمفونيتها عازفةً، أعرفك ياابن القحبة، فلِمَ الإستخبار إذن، قُم أدنو مني وأْتي حرثك أنّى شِئت.
كان جوابها كصدمة قطار سريع إرتطمت بي عرباته الواحدة وراء الأخرى، وكان كافياً لتدشين خيانة أخرى من سلسلة خياناتي.
كان شيطاني لحظتذاك يلكزني، يدفعني، ويدقّ في طبلة أذني لحن الوفاء للكلاب.
على أريكة نالت منها سجائر السُكارى وضراطهم، وضعت مؤخرتي بجانبها، ودنوْت منها حتى كاد يلامس فاهي فاها، ودون سابق سؤال، شرعت في تعريف نفسي.
أنا القوّاد الذي وُلدت مرتين بدأت الحكي، مرّة على خرقة مُعدمة بغرفة دهماء لا تبدّد الغاسق، وأُخرى في حضن إمرأة كانت تنتظرني هناك في الأُفق، حيث صرت كنملة بجناحين.
كنت يانديمتي مجهولاً، ومازلت حتى حدود اللحظة، أدركت اليُتم ووالداي على قيد الدنيا، كان عمري آنذاك، عفواً نديمتي لم يكن لدي عمر، أيْ نعم لم يكن لدي عمر، كنت أعي فقط أني موجود، أني طفل بلا عينين تطارده الخيالات حيناً، ويطاردها حينا آخر.
وبخبرة عاهرة عارفة، كانت نديمتي وقتذاك، ترتشف سيجارتها، تنفث دخانها في وجهي، وتصغي السمع كأمّ. كنت أعي جيداً أني أُعري بؤسي دون احتشام، لكن قدرة العاهرات على امتصاص بؤس الرجال، واحتواء عواءتهم، دفعني لاسترسال خراءتي في حضرتها.
كنت أفرغ مثانتي بين برهة وأخرى، أوزّع سلاما وابتسامات صفراء، وأستقبل أخرى بذات اللون، ثم أعود لأتلو قرآني في حضرتها.
على طول عواءتي، لم تنبس نديمتي ببنت شفّة، كانت كما الإسفنجة، تمتصّ عُريّي، وتحفظه بداخلها تمزجه داخل رئتها لفترة، ثم تنفثه من بعدُ ودخان سيجارة. لم يكبح كلامي لحظتذاك، سوى خيط أبيض تبيّن من آخر أسود من الليل، وصوت كفيْ حارس الحانة الضخم، يأمرنا أن نغادر الطاحونة الحمراء.
حينها كنت قد أفرغت مابفؤادي من ألم، كما أفرغت مابمثانتي من بول، ولم يتبقى غير لقم رأس النهد، والصلب على جسد نديمتي.
تركنا الأريكة ذات الثقوب، قفزنا عتبة الحانة، وهبنا جسدينا لسيارة أجرة حمراء إبتلعنا جزءها الخلفي، وغير قُصيْ، كان باب القوادة شامة مشرّعا على مصراعيه.